ثقافة المواطنة الرقمية..في زمن الإبتزاز الإليكتروني !!

اعجبهم مقالك 0

✍بقلم 🌍 د.خالد محسن.
( مدير تحرير جريدة المساء المصرية)


تجاوز الصراع المحموم لتحقيق  "التيرند" مرحلة الهوس في طريقه لمرحلة الفوضي وربما  الجنون، بعد إصرار الكثير من المدونيين وما يسمي باليوتيبورز والبليوجرز علي بث مضامين ومواد وترفيهية ودرامية تعتمد في المقام الأول علي الإثارة والتشويق وأحيانا إختراق الخصوصيات الإجتماعية والتعدي علي حرمة الحياة الشخصية ،دون الإلتزام بالضوابط القانونية ، ومن قبلها الضوابط الأخلاقية والإنسانية التي تحدد نمط العلاقات بين أفراد المجتمع وتحفظ إستقرار وتماسكه.

وبدا الأمر وكأنه سبوبه عصرية لحصد عشرات الألاف من المشاهدات وتحقيق أرباح ولو بمادة إعلامية مصطنعة ، أو مبتذلة أومثيرة ،مع غياب الرقابة الذاتية والثقافة المحصنة التي يفوق تأثيرها كافة التعليمات والقوانين.

وقد أثارت قضية الإبتزاز الوجداني والمادي في ثوبه الإليكتروني وانتحار "بسنت" مؤخرا بسبب صور مفبركة، انتشرت علي بعض شبكات التواصل ،ضرورة تدشين الثقافة المحصنة والقوانين الرادعةلكافة تجاوزات العصر الرقمي الجامح والتفكير جليا في ضبط إيقاعه.
 
 ورغم ما تبذله الدولة في سن القوانين والقواعد المنظمة لإحكام الرقابة ، فقد تضخمت حجم الأعمال بما تحمله من تجاوزات بالتوازي مع التطور الهائل في ثورة الاتصالات الرقمية وما وفرته من تسهيل وسرعة في عمليات التواصل الإجتماعي والوصول إلى مصادر المعلومات وبثها بصورة فورية.
 ومع ما تحمله هذه الثورة التكنولوجية  وتلك التقنيات الحديثة من تأثيرات إيجابية على الفرد والمجتمع، فإن آثارها السلبية تأتي مع التمرد على القواعد الأخلاقية والضوابط القانونية والمبادئ الأساسية التي تنظم شئون  الحياة الإنسانية.

ومن جديد بدأ باحثو الإعلام طرح مضار التعرض العشوائي المكثف ، كما أن التواصل مع مجهولين رقميين يشكلون خطرا محتملا قويا، وقد يتصفحون مواقع مشبوهة خطيرة، وأصبح من شبه المستحيل مراقبة كل ما يشاهدونه من صفحات ومن يتصلون به من أشخاص مع انتشار الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية المحمولة في كل زمان ومكان.

وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن معدل استخدام الأطفال والمراهقين لهذه الأجهزة قد يصل إلى ثماني ساعات يوميا وربما يزيد، أي أكثر من الساعات التي يقضونها مع آبائهم وأمهاتهم ومعلميهم، إنها إذن بحق أقوى ما يؤثر في أبنائنا، ويبقى لنا أن نختار إما أن يكون هذا التأثير بالسلب حين لا نهتم ولا نوجه أبناءنا، أو بالإيجاب حين نعلمهم قواعد الاستخدام ونوجههم ونحميهم من الأخطار المحدقة والمحتملة في كل لحظة!
لذا فنحن في أمس الحاجة إلى فكرة التعرض الإنتقائي وسياسة وقائية تحفيزية، وعودة ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها. 

ولذا ظهر مفهوم المواطنة الرقمية والتربية الإعلامية ،في العديد من دول العالم المتقدم،  مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا  ، حيث تدرس للطلاب في المدارس موضوعات متنوعة في إطار منهج التربية الرقمية، كما نجد في نفس الإطار المشروع الذي وضعته أستراليا تحت شعار“الاتصال بثقة" والذي ينص على تعميم تدريس المواطنة الرقمية للطلاب مع تدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطط وطنية متكاملة، كما اعلنت فرنسا أنها تعتبر المواطنة الرقمية قضية وطنية كبرى.

والمواطنة الرقمية في أبسط معانيها، هي مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن.
وهي توعية وتوجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها، وصولا لفكرة التعامل الذكي مع التكنولوجيا، في إطار من حرية التعبير المنضبطة من أجل التحكم والمراقبة، انتصارا لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، فالمواطنة الرقمية تهدف إلى إيجاد الطريق الصحيح لتوجيه وحماية جميع المستخدمين ،وبصفة خاصة الأطفال والمراهقين، وذلك بتنمية وغرس الإتجاهات الإيجابية وتشجيع السلوكيات المرغوبة ومحاربة السلوكات المنبوذة في كافة التعاملات الرقمية.

وللمواطنة الرقمية علاقة وثيقة بمنظومة التعليم، لأنها الكفيلة بمساعدة المعلمين والتربويين عموما وأولياء الأمور لفهم ما يجب على الطلاب معرفته من أجل استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب، فهي أكثر من مجرد أداة تعليمية، بل هي وسيلة لإعداد الطلاب للانخراط الكامل في المجتمع والمشاركة الفاعلة في خدمة مصالح الوطن.

ولا شك أن نشر ثقافة المواطنة الرقمية بين أفراد الأسرة وفي المدرسة بين صفوف الطلاب ، أصبح ضرورة مجتمعية ملحة، ويجب أن تتحول إلى برامج ومشاريع في مدارسنا وجامعاتنا ،بالتوازي مع مبادرات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، حتى نتمكن من تعزيز حماية المجتمع من الآثار السلبية المتزايدة للتكنولوجيا مع الاستفادة المثلى منها والمساهمة في تنمية مجتمع المعرفة.

وفي تقديري أن المجتمع العربي بما يملكه من مباديء وهوية أصيلة وخصوصية أخلاقية وقيمية وحضارية، هو الأجدر بتبني ثقافة
المواطنة الرقمية في كافة المؤسسات التعليمية والتربوية ،لتفادي الحصيلة السلبية لتفاعل إنسان العصر مع التقنيات المعاصرة ولغتها الجديدة.

د.خالدمحسن

ارسل رسالة

عدد المتابعيين: 1

صحفي وكاتب مصري وأستاذ إعلام

اليوتيوب: 4444

تويتر : 55555

الفيس بوك : https://www.facebook.com/profile.php?id=100037809018285

التعليقات

كن اول من يكتب تعليق

الدخول سجل حتى تستطيع ان تعلق

اضف مقالك لان
موقع الكتاب العرب
هى مساحة مفتوحة لمحبى كتابة المقالات و نشرها

تابعنا على :